لأن كثيرا من الشراح أخطؤوا ترتيب هيراقليط وموضعته في موقعه من تاريخ الفكر، فنظروا إليه بغير منظار زمنه، بل بمنظار الزمن الفلسفي الذي سبقه، الذي نزعم أنه (أي هيراقليط جاء لمجاوزته.. ولأنه لا مسلك إلى فهم فيلسوف إفسوس دون الإمساك أولا بالهاجس الإشكالي الذي حرك التفكير الفلسفي في لحظته التاريخية.. فإن المؤلف سعي إلى تغيير لحاظ النظر إلى مقام الفلسفة الهيراقليطية؛ فربطها بخصوصية زمنها الفلسفي، الأمر الذي منحه المفتاح الذي ينبغي استعماله لفهم ذاك الزمن، وما اعتمل فيه من نواتج الفكر والنظر، وذلك بإعادة قراءة هيراقليط من خلال وصله بالإشكالية الفلسفية الجديدة التي استجدت في زمنه وانشغل بها الفكرفي عهده. أي قراءته على نحومناغم للحظته التاريخية، نعني لحظة فيثاغور وكزينوفان اللذين تجاوزا العتبة التي توقف عندها التأمل الفلسفي الملطي مع طاليس وأنكسيمندر، فدلفا إلى مقام جديد لا يكتفي بتعيين الأصل الذي صدر عنه الوجود، أورد كثرة الموجودات إلى أصل واحد، بل البحث عن القانون الناظم للوجود في حالة كينونته؛ أي أن البحث الفلسفي في زمن هيراقليط انتقل من سؤال «ما أصل الوجود؟» إلى سؤال «ما القانون الناظم للوجودة».. ولأن المؤلف سعى إلى إدراك تفاصيل الإضافة المعرفية الهيراقليطية، مع مراعاة نمط لغتها، فقد كانت منهجيته يحركها الاحتراس من القراءة الحرفية لنصوص هيراقليط، فأيقظ في دواخلنا حس تذوق اللغة الرمزية، بإحالاتها وانزياحاتها، بل وتناقضاتها الظاهرة في الخطاب. وهذا الكتاب هو الكتاب الرابع ضمن مشروع مركز نماء
تاريخ الفكر الفلسفي الغربي: رؤية نقدية»، والذي تناول من خلاله المؤلف تاريخ هذا الفكر تأريخا وتحليلا ونقدا، سعيا لإثراء المكتبة العربية في حقل البحث الفلسفي