على الرغم من ضخامة حجم جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم متماسك الأطراف - إلى حد كبير – محليا وإقليميا ودوليا، بالإضافة إلى قدر لا بأس به من التناغم والتجانس الفكري والحركي، وكذلك طول خبرتها التاريخية التي قاربت القرن من الزمان؛ إلا أن حضور أدبيات النقد الذاتي داخل الجماعة يبدو غير متناسب مع حجمها التنظيمي وخبرتها التاريخية وحضورها البارز في الأحداث السياسية والاجتماعية المختلفة عبر هذا التاريخ الممتد.
إن المحنة الأخيرة التي ه مرت بجماعة الإخوان المسلمين في مصر كانت كاشفة لمشكلة أساسية تعاني منها الحركات الإسلامية التي تعتمد في دينامياتها النسق التنظيمي المغلق، فبينما كان من المفترض على حركة إسلامية بحجم جماعة الإخوان أن تتخذ التدابير والاستعدادات العملية والعلمية وقت تقريرها شغل الحيز الأكبر من الفراغ «الوهمي» الذي بدا للكثيرين في أعقاب ثورة يناير ٢٠١١، وبينما غابت آليات القياس والتقييم لحجم وقدرات الجماعة، ومواطن وأدوات قوتها وتأثيرها، والتدقيق في نقاط ضعفها وأوجه العطب فيها؛ انجرت الجماعة إلى مسار كالذي سلكته في مصر دونما حسابات دقيقة تستلزمها ديناميات حركة إسلامية كبيرة مثلها، في ظرف تاريخي مهم ومعقد، وأعطت لنفسها مسوغات الاضطرار «التسكينية» للسيري طريق شائك مظلم كالذي سارت فيه.
تأتي هذه الدراسة، من مركز نماء، ليستعرض من خلالها المؤلف نماذج «النقد الذاتي» عند تيار الإخوان المسلمين، ويحاول من خلالها قراءة أبعاد هذه الظاهرة ومستوياتها وأنماطها، ويسعى ببيانها لتوليد أسئلة ما بعد النقد الذاتي، خاصة في مرحلة المحنة التي يمر بها التيار. والدراسة بمثابة المكمل لتلك السابقة حول التيارات الجهادية والتي صدرت عن المركز العام الفائت ضمن سلسلة دراسات في الحالة الإسلامية.